أعلن تيار الحكمة الوطني، بزعامة السيد "عمار الحكيم" يوم الأحد الماضي، انضمامه للمعارضة ضد سياسات حكومة رئيس الحكومة العراقية "عادل عبد المهدي" وقال التيار في بيان له: "إن المكتب السياسي لتيار الحكمة الوطني عقد اجتماعاً استثنائياً تدارس فيه الأوضاع السياسية بشكل عام والمستوى الخدمي وهواجس الشارع العراقي بشكل خاص، وتم الاستماع إلى جميع وجهات النظر ومناقشتها بشكل تفصيلي حول مستوى الأداء الحكومي وما عليه المشهد العام وخرج ذلك الاجتماع، بالإعلان عن تبنّي خيار المعارضة البنّاءة ضد الحكومة العراقية الحالية".
وحول هذا السياق، أفادت العديد من المصادر الإخبارية بأن هذا الإعلان خلق مجموعة من التحليلات ووجهات النظر المتعارضة الموافقة والمخالفة على المستوى الوطني العراقي، ولهذا فإننا في هذا التقرير، سوف نسلّط الضوء على كلا القراءتين وسوف نقوم بتحليلهما.
القراءة الأولى: يسعى تيار الحكمة الوطني إلى خلق سنة حسنة من تبنيه خيار المعارضة
للوهلة الأولى، ووفقاً لبيان تيار الحكمة، الذي تقّبل صراحةً بدور المعارضة الدستورية القائمة على المقاربة الوطنية البناءة، يمكن القول إن قرار السيد "عمار الحكيم" وتيار الحكمة الوطني، جاء في شكل إطار جديد للسياسة البناءة (غير المدمّرة) التي تهدف إلى خلق دور الوسيط بين الحكومة والشعب، وذلك من أجل إيصال صوت الشعب إلى المسؤولين في الحكومة العراقية، وفي هذا النهج، يمكن التأكيد على أن تيار الحكمة الوطني يبذل الكثير من الجهود من أجل المُضي قُدماً في مسير بناء العراق وتنميته ومن الممكن أيضاً الحديث عن ذلك النهج بأنه نوع من الإبداع التقليدي الجديد في الساحة السياسية العراقية.
وفي هذا السياق، ووفقاً للاتجاه السائد في الأنظمة الديمقراطية، يتولّى جزء من الأحزاب والتيارات السياسية دور المعارضة، وتكون مهمته الأساسية هي الإشراف على الحكومة القائمة وانتقادها لتحسين أدائها وتقديم حلول لجميع المشكلات التي يعاني منها المجتمع.
القراءة الثانية: تيار الحكمة الوطني يسعى للهروب من المسؤولية
إن المحور الثاني في قراءة عمل تيار الحكمة الوطني في تبنيه لخيار المعارضة يتمثّل في سعي هذا التيار إلى الهروب من المسؤولية وفرار السيد "الحكيم" من جميع قضايا ومشكلات المجتمع العراقي ومن هذا المنظور، فإن النص الأولي للبيان الذي أصدره تيار الحكمة الوطني، برر فيه أن أسباب اختياره لخيار المعارضة، ترجع إلى الوضع السياسي المتردي، ولا سيما مستوى الخدمات ومخاوف الشعب العراقي، ومستوى الأداء الحكومي والحالة العامة السيئة للبلد.
ووفقاً لهذا النهج، واستناداً إلى الانتقادات الشديدة التي عانى منها تيار الحكمة الوطني خلال الفترة الماضية، قام السيد "عمار حكيم"، باتخاذ قرار بركوب موجة الانتقادات ضد الحكومة الحالية، خاصة بعد انتقادات زعيم "حركة سائرون" في البرلمان العراقي، السيد "مقتدى الصدر"، و"آية الله السيستاني"، لحكومة "عادل عبد المهدي"، وذلك من أجل اكتساب قاعدة شعبية من ناحية، ومن ناحية أخرى، التهرّب من كل المسؤوليات والإخفاقات التي تعاني منها الحكومة الحالية.
القراءة الثالثة: فشل المعارضة وزوال حلم الحكمة الوطني
بناءً على الحقائق السياسية والميدانية التي حكمت العراق بعد عام 2003، كان من الممكن تقييم قرار تيار الحكمة الوطني بتنّي خيار المعارضة ونتائج هذا القرار المحتملة وفي هذا الصدد، يجب التركيز في البداية على قضيتين مهمّتين، إحداها هي أن تيار الحكمة الوطني، الذي تم إنشاؤه في 24 يوليو 2017، بعد رحيل السيد "عمار الحكيم" من المجلس الإسلامي الأعلى في العراق، وفوزه في انتخابات 12 مايو 2018، بـ 19 مقعداً برلمانياً، لم يكن كباقي الكتل والأحزاب السياسية في العراق، ولم يكن له أي تأثير على القرارات السياسية والشخصيات القيادية في البلاد.
والمسألة الثانية، هي أن تقليد التقسيم السليم للسياسة في العراق منذ عام 2003، لم يستند إلى عمليات الديمقراطية الغربية وبعبارة أخرى، يمكن القول بأن التقاليد الحاكمة في العراق، كانت تستند إلى "مبدأ الاتفاق" بين الأحزاب والجماعات المختلفة وفي مثل هذا النظام، لم توجد أي معارضة حقيقية، وذلك لأن جميع الأحزاب والجماعات المختلفة، بما في ذلك الشيعة والسنة والأكراد والتركمان، كانت جزءاً من النظام الحاكم وكان عندهم إحساس بالمسؤولية تجاه قرارات الحكومة وفي مثل هذه المساحة الضيقة، حتى لو اتخذت مجموعة ما مقاربة نقدية للنظام الحاكم، فإن صوت الأغلبية في البرلمان كان سيقضي على ذلك الانتقاد.
وبالنظر إلى هاتين النقطتين، فإنه يمكن القول بأنه في المرحلة الحالية تتلقى حكومة "عادل عبد المهدي"، الكثير من الدعم المباشر من حركة "سائرون"، و"فتح"، والحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، والاتحاد الوطني الكردي وتيار "العطاء" بقيادة "فالح فياض"، الذين يشكّلون أغلبية تصل إلى ما يقرب من 200 مقعد من إجمالي 329 برلمانياً عراقياً وفي مثل هذه المساحة، فإن تبني تيار الحكمة لخيار المعارضة والوقوف جنباً إلى جنب مع التيار الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من حافة الانهيار، الذي يقوده "حيدر العبادي"، لن يساعد السيد "عمار الحكيم"، على السيطرة على زمام الأمور في العراق، ومع ذلك ، لا ينبغي للمرء أن يتجاهل حقيقة أن أحد الأهداف الخطيرة لتيار الحكمة الوطني، مبني على أساس المنطق المستقبلي واللعب من خلف الستار لكسب الكثير من المناصب في الحكومة العراقية المقبلة أو حتى في الحكومة الحالية.
LINK: https://www.ansarpress.com/english/11705
TAGS: